عندما يمرّ أحد أفراد العائلة باضطراب نفسي، قد يتأثر الأطفال الصغار بما يرونه ويسمعونه من حولهم. ولأنّهم ما زالوا في مرحلة التعلّم والفهم، فإنّهم بحاجة إلى تفسيرات بسيطة ومطمئنة تساعدهم على الشعور بالأمان، بعيدًا عن التعقيد أو التفاصيل الصعبة. دور الأهل هنا أساسي في توضيح الأمور بلغة يفهمها الطفل، مع توفير الحبّ والدعم والروتين اليومي الذي يمنحه الطمأنينة.
البساطة أوّلًا: يحتاج الأطفال الصغار إلى تفسيرات واضحة وقصيرة وملموسة مع تكرارها. وغالبًا ما تكفيهم جملة بسيطة وواضحة ومطمئنة تتكرّر عدّة مرات.
يفهم الأطفال الصغار بشكل أفضل من خلال الصور والمقارنات من حياتهم اليومية. مثال: "أحيانًا تكون أمّك متعبة جدًا، ليس لأنّها تلعب كثيرًا، بل لأنّ دماغها يعمل بجهد كبير". مثال آخر: "مثلما تذهب إلى الطبيب عندما تؤلمك بطنك، تذهب خالتك إلى طبيب متخصّص في علاج رأسها وقلبها".
المغذى هو إظهار أنّ الاضطراب النفسي جزء من الحياة، من دون الخوض في تفاصيل معقّدة.
الإجابة على الأسئلة بصدق: قول الحقيقة لا يعني شرح كلّ شيء. بل يعني تكييف المعلومات مع مستوى فهم الطفل تبعًا لما يتناسب مع عمره. غالبًا ما يطرح الأطفال الصغار الأسئلة نفسها مرارًا وتكرارًا. من الأفضل تكرار الحقيقة ببساطة، بدلًا من تجنّب الموضوع.
مثال: "لماذا تبكي ماما؟" "لأنّها مريضة. قلبها حزين حتى عندما لا ينبغي أن يكون كذلك. لكنّها تتلقّى العلاج وسوف تتعافى".
الأمان قبل كلّ شيء: يجب أن يعرف الطفل أنّه آمن، وأنّ هناك بالغين مسؤولين يرعونه، وأنّه ليس مسؤولًا عن الموقف. غالبًا ما يعتقد الأطفال دون سن 6 سنوات أنّ الأحداث مرتبطة بهم. قد يعتقدون أنّهم مسؤولون عن حزن أو غضب أحد أفراد الأسرة.
مثال: "ليس ذنبك أنّ جدك حزين أحيانًا. أنت لم تفعل شيئًا".
مثال: "حتى لو كانت أمّك مريضة، فهناك دائمًا بابا (أو جدّتك أو أيّ شخص بالغ آخر) ليعتني بك إلى أن تتعافى ماما".
تأكيد المشاعر: يعبّر الأطفال الصغار عن مشاعرهم بالبكاء أو الغضب أو الأسئلة المتكرّرة. من المهمّ الاستماع إليهم ومساعدتهم على تحديد مشاعرهم وتسميتها، مع الإقرار بأنّ وجودها طبيعي (الخوف والحزن والغضب...)، وبأنّ التعرّف عليها وتقبّلها يساعدنا في التغلّب عليها. يتعلّم الطفل بذلك أنّ مشاعره مشروعة ويمكنه التحدّث عنها من دون أحكام.
مثال: "أتفهّم أنّك تشعر بالقلق عندما ترى عمّك يصرخ. أنا أيضًا أشعر بالخوف في هذه الحالة، لكننا معًا وأنت في أمان".
الروتين والقدرة على التنبّؤ: عندما يمرض أحد الأقارب، قد يضطرب النظام اليومي مع التغيّرات الطارئة وغير المتوقعة. في هذه الحالة من الضروري الحفاظ على معالم ثابتة للنظام اليومي، ممّا يساعد الطفل على فهم أنّ حياته تظلّ مستقرّة رغم الصعوبات.
يشعر الأطفال الصغار بالراحة مع الروتين الثابت: وجبات الطعام، قيلولة الظهيرة، طقوس النوم. هذه المعايير لها تأثير علاجي، وهي تساعد على توفير بيئة مطمئنة من خلال الروتين.
إبراز صفات الشخص المقرّب: من الضروري ألّا يرى الطفل الشخص من خلال مرضه فقط، بل من خلال صفاته المحبّبة لديه.
مثال: "أتعلم، حتى لو كانت جدّتك متعبة أحيانًا، فهي لا تزال تحب أن تروي لك القصص، وسوف تفعل ذلك حين تصبح قادرة".
البحث عن الدعم لنفسك أيضًا: قد يؤدي هذا الواقع إلى مضاعفة المسؤوليات وزيادة الضغوطات النفسية على الشخص الذي يعتني بالطفل. لذلك، قد يكون هذا الشخص أكثر استعدادًا على المستوى العاطفي إذا اعتنى بنفسه. هناك العديد من الطرق لتعزيز العناية الذاتية، مثل تنظيم أوقات الراحة وتفويض المهام عندما يكون ذلك ممكنًا، البحث عن الدعم (الأصدقاء، العائلة، مجموعات النقاش...) للتحدّث عن المخاوف والمشاعر... وإذا كانت الحالة تفوق قدرات الشخص، من المفيد استشارة أخصائيين (طبيب، طبيب نفسي، معالج نفسي)، فطلب المساعدة قوّة وليس ضعفًا.
التواصل مع الطفل بصدق وبساطة، ومنحه الأمان والروتين، يساعده على تقبّل المرض النفسي كجزء من الحياة من دون خوف أو شعور بالذنب. والأهم أن يتعلّم أنّه محبوب ومصان دائمًا، وأنّ مشاعره مسموعة ومشروعة. بهذه الطريقة، نحمي الطفل ونمنحه الأدوات العاطفية التي يحتاجها لينمو بثقة رغم التحديات.