التعامل مع الطفل بعد تلقيه خبر الفقد لا يتوقف عند لحظة الإخبار، بل يبدأ منها. ومن هنا تأتي أهمية أن نوفّر له بيئة تحتوي مشاعره، تعترف بألمه، وتُعيد إليه شيئًا من الإحساس بالأمان وسط عالم تغيّر فجأة.
الصدق، الحضور الهادئ، وتقديم الدعم النفسي المناسب هي خطوات أساسية، ليس للطفل فقط، بل لنا نحن أيضًا كمرافقين له في هذه التجربة القاسية.
أولًا: لا نمنع الحزن.
لا نقول للطفل: "خلّيك قوي"، أو "ما في شي بيستاهل البكاء". بل نشرح له أنّ الحزن شعور طبيعي، وأنّه ليس وحده.
نتجنّب التوجيهات التي تحمّل الطفل مسؤوليةً سلبية تجاه التعبير عن مشاعره، مثل" "إنت شاب/رجّال والرجال ما بيبكوا".
يمكننا أيضًا أن نخبر الطفل أنّ شعورنا مماثل، وأنّنا نتشارك هذه المشاعر، من المهم أن نعبّر أمام الطفل عن مشاعرنا حتى يعبّر بدوره عنها.
ثانيًا: نراقب سلوك الطفل.
كلّ طفل يعبّر عن حزنه بشكل مختلف:
- بعضهم يغضب
- بعضهم ينعزل
- بعضهم يعبّر بالسلوك العدائي خلال اللعب أو التعامل مع الآخرين
- بعضهم يطرح أسئلة متكرّرة
- وآخرون يبدون طبيعيين في الظاهر
من المهم البقاء قريبين من الطفل، من دون ضغط، مع السماح له أن يختبر المشاعر كما هي.
قد نلاحظ سلوكًا طارئًا أو غير معتاد بعد الفقد، مثل:
- التبوّل اللاإرادي
- مشاكل في النوم
- تراجع في الأداء المدرسي
- نوبات غضب شديدة
- صمت طويل أو انسحاب من التفاعل
هذه التغيّرات قد تكون مؤقّتة، لكنّها أحيانًا تحتاج تدخّلًا من أخصّائي نفسي، بخاصّة إذا استمرّت أو أثّرت على حياة الطفل اليومية.
ثالثًا: نحافظ على الروتين اليومي.
غياب أحد الوالدين يُغيّر شكل الحياة، لكنّ الأشياء الصغيرة التي تبقى ثابتة مثل وقت النوم، تحضير الطعام، اللعب، أو قراءة القصص — تُشعر الطفل أنّ الحياة مستمرّة، وفيها نقاط أمان يُعتمد عليها. للحفاظ على روتين الطفل، نحتاج بعض الوقت، حتى نستطيع أن ننظّم أمورنا بالدرجة الأولى، وأن نستوعب ما حدث. لكن من الضروري مساعدة الطفل على الحفاظ على روتينه من دون الشعور بالذنب.
رابعًا: نحافظ على ذكرى الفقيد، ونتحدّث عنه بطريقة إيجابية.
- نشارك الطفل بعض الذكريات، نروي له مواقف لطيفة، نُشاهد صوره معًا، نسمح له أن يسأل عنه في أي وقت.
- نساعد الطفل على تخصيص وقت يوميّ محدَّد لتذكّر الشخص المتوفّي والحديث عنه ونشاركه في هذا النشاط.
- نسمح للطفل بزيارة الضريح بشكل دوريّ (في حال سمحت الأوضاع الأمنية بذلك) مع إقامة الطقوس المعتمدة في المجتمع الذي ينتمي إليه. في حال عدم توفّر إمكانية زيارة الضريح لأسباب أمنية أو أسباب أخرى، نساعد الطفل على تحديد غرض معيّن يرمز للعلاقة مع المتوفّي ويساعده على إعادة صياغة العلاقة معه ومع ذكراه.
هذا لا يُضعف الطفل، بل يُساعده على بناء علاقة صحيّة مع الذكرى. لا نحاول أن نمحو هذا الشخص من ذاكرة الطفل، لأنّ ذلك سيخلق نوعًا من الارتباك لديه.
في النهاية، لا توجد طريقة مثالية لتخفيف ألم طفل فقد أحد والديه، لكن هناك دائمًا مساحة لنكون بجانبه. يحتاج الطفل إلى من يسمعه، ويحتويه، دون استعجال أو إنكار. تذكروا، بعض اللحظات لا يمكن إصلاحها أو محوها، لكن يمكن أن نمنح الأمان، ويمكن أن نُعلّم الطفل برفقتنا، أن الحياة رغم الألم، تستمر.